أسوار القدس.. مواجهة الانهيار أو التهويد
أيمن ياغي
صحيفة الوطن القطرية 22/11/2005
التحذيرات الإسرائيلية التي تقول إن أسوار القدس الشرقية تواجه خطر الانهيار في أي لحظة ليست بريئة لا تأتي في سياق الحرص على هذه الأسوار بمقدار ما تعني شيئاً ما يدور في ذهن الإسرائيليين وخصوصاً المتطرفين منهم لتدمير المسجد الأقصى المبارك وإقامة هيكلهم المزعوم، وإلا لماذا يتحدثون عن أن القاطع الشمالي المحاذي لحارات المسلمين والحرم القدسي هو الجزء الأكثر تضرراً والآيل للسقوط في أي لحظة حسب أقوالهم.. ولماذا لم يتحدثوا شيئاً عن الأجزاء المحاذية لحارات النصارى واليهود؟
الدائرة الإسلامية المخولة بأعمال الترميم ومكاتب ترميم الآثار الفلسطينية تؤكد أنه لا يوجد تهديد مباشر يواجه السور الذي تم بناؤه ما بين عامي 1536 و1542 ميلادية على مساحة كيلومتر مربع في وسط القدس الشرقية المحتلة بل إنه بحاجة إلى أعمال صيانة عادية وتستغرب هذه الجهات معنى إعلان نتائج هذه الدراسة التي أجرتها سلطات الآثار الإسرائيلية في هذا الوقت بالذات، مشيرة إلى أنه لا جديد يذكر في وضع هذا السور الذي لم يتم ترميمه منذ ثلاثين عاماً.
الأوساط الإسلامية والأكاديميون الفلسطينيون يحذرون من أجندة سياسية إسرائيلية من وراء طرح هذه المخاطر وتضخيمها ويرون في ذلك مقدمة لأطماع يهودية في المناطق المجاورة للسور وخصوصاً بجوار «باب المغاربة» و«برج اللقلق» تأتي على شكل عملية استيطان لداخل السور وخارجه، قد يكون التلويح بمخاطر انهيار السور يدركها الإسرائيليون قبل غيرهم سيما وأنهم ومنذ سنوات طويلة وفي واقع السيطرة العسكرية على المدينة المقدسة يقومون بحفر أنفاق تحت المسجد الأقصى بغرض ضعضعة بنيانه في محاولة مكشوفة ومتكررة لتدميره وإقامة ما يسمونه «هيكل سليمان» المزعوم والذي يقولون إن المسجد الأقصى بني على أنقاضه.
أسوار القدس والمدينة بكاملها عرضة لمخطط تهويدي بدأ منذ وقت طويل ومازال هدفاً إسرائيلياً أولياً وفي مقدمة اهتمامات الحاخامين والمتطرفين اليهود والمدينة المقدسة وأقصاها كانت عرضة لتهديدات متكررة من قبل غلاة المتدينــين الذين يسعون بشتى الوسائل إلى استفزاز المسـلمين بمحاولة الاعتداء على أقدس الأقداس المسجد الأقصى، قبل أيام قليلة قامت شركة تطوير الحي اليهودي في البلدة القديمة وبعد أن قامت سلطات الاحتلال بوضع يدها على أملاك لمواطنين فلسطينيين بتسجيل 1300 عقار في البلدة القديمة في سجلات الطابو بأسماء اليهود في اعتداء واضح وغير مشروع على هذه الأملاك كما تقوم السلطات الإسرائيلية بتغيير الأسماء والمعالم العربية وإطلاق مصطلحات وتسميات يهودية عليها بهدف إلغاء الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة، إدارة الشركة الإسرائيلية المذكورة توجهت بطلب إلى حكومتها بتوسيع صلاحياتها بحيث تتضمن الحي الإسلامي في المدينة وذلك بهدف تسجيل منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون في شارع الواد في البلدة القديمة في محاولة استفزازية وقحة لمشاعر المقدسيين.
إن نغمة التلويح بمخاطر انهيار أسوار القدس لا تبتعد كثيراً عن عمليات التهويد الواسعة التي تقوم بها حكومة الاحتلال في القدس العربية فكل ذلك يصب في خانة التدمير المنهجي المدروس لوأد المشروع الوطني الاستقلالي الفلسطيني الذي يعتبر القدس في قلب قضيته ويدافع عنها حتى الرمق الأخير.
يبدو واضحاً أن "إسرائيل" تعمل وعلى كل الجبهات للسيطرة على مدينة القدس إن من خلال التغيير المنهجي المدروس لمعالمها أو بالتهويد وبالسيطرة الدائمة على الأرض والمقدسات تأسيساً لواقع جديد على الأرض يبيح التوصل إلى تسوية تستثني مدينة القدس لكن هذا المشروع لن يكتب له النجاح لأن أحداً في القيادة الفلسطينية لا يمكنه أن يقايض هذه المدينة في أي تسوية مطروحة مهما غلت لأن القدس مازالت تمثل قلب الصراع الذي لن ينتهي إلا بحل واقعي وموضوعي لهذه القضية.
بالطبع فإن القيادة الفلسطينية المنشغلة باستحقاقات ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة والمكبلة بالضغوط الأميركية والإسرائيلية بحاجة إلى مساعدة عربية وإسلامية للتدخل ضد الهجمات التي تتعرض لها مدينة القدس من مخاطر ومشاريع فالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي تقع عليها مسؤولية كبرى في تقديم المساعدة للشعب الفلسطيني ليدافع عن حقوقه ومقدساته التي تتعرض لمخططات إسرائيلية فوق الأرض وتحت الأسوار ومن كل الجهات.