· وكان لجماعة القسام شرف تفجير الثورة في 15- إبريل 1936م، وقد استمرت هذه الثورة حتى سنة 1938م، وقد هزت الوجود البريطاني في فلسطين وسيطرت على الريف الفلسطيني وعدد من المدن خصوصاً في صيف 1938م، ونفذت آلاف العمليات العسكرية، ولم تستطع بريطانيا إخمادها إلا بعد أن استعانت بسدس جيشها الإمبراطوري، وأفضل قادتها العسكريين، واستخدمت الدبابات والطائرات وكافة الأسلحة(24).
· أنشأ عبد القادر الحسيني سنة 1934م في القدس منظمة المقاومة والجهاد، ووصل أعضاؤها إلى أربعمائة عضو، وقد التقى به الحاج أمين الحسيني سنة 1935م، ودعاه إلى الاتحاد مع منظمة كان يعد لها وشكلا معاً منظمة الجهاد المقدس(25).
· عرفت فلسطين دعوة الإخوان المسلمين حوالي سنة 1935م، وانتشرت في أوائل الأربعينات من القرن الماضي فروع للإخوان في العديد من المدن الفلسطينية، وقد نشطت الجماعة في مجالات الدعوة والتربية والتوعية الإسلامية والتعريف بالخطر الصهيوني والمؤامرة على فلسطين والتعبئة للجهاد(26).
· كان الإخوان المسلمون في مصر المنظمة الأولى خارج فلسطين التي تتعاطف وتتعاون مع أهل فلسطين، حيث أسس حسن البنا سنة 1936م اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين، وقد أخذت هذه اللجنة تنشر أفرادها في المساجد وغيرها، فعرف المصريون بما يجري في فلسطين من ظلم لإخوانهم على يد الإنجليز واليهود، وتجمع التبرعات وترسل بها إلى الحاج أمين الحسيني.
· كما تولت الجماعة مخاطبة الحكومة المصرية وحضها على مساندة شعب فلسطين، وإرسال البرقيات الاحتجاجية إلى المندوب السامي البريطاني في كل من مصر وفلسطين(27). وقد حدث هذا الاهتمام بفلسطين، في وقتٍ لم يكن أحد من الحكام العرب يوليها أي اهتمام، وحين سئل رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت، ماذا ستفعلون من أجل رفع الظلم عن الفلطسينيين؟ أجاب:" إنني رئيس وزراء مصر ولستُ رئيس وزراء فلسطين"(28).
· لم يكتف الإخوان المسلمون بدورهم في مجال التعبئة الإعلامية، وجمع التبرعات والأسلحة، بل قرروا المشاركة بأعدادٍ كبيرة في تحرير فلسطين. فأرسل حسن البنا برقية إلى جامعة الدول العربية في 3-أكتوبر-1947م، لإرسال عشرة آلاف متطوع من الإخوان كدفعة أولى، لكن جامعة الدول العربية رفضت، فخاطب الحكومة المصرية، وطلب السماح لهؤلاء بالدخول إلى فلسطين، لكنها رفضت، فاضطر للتحايل عليهم، إذ تظاهر عدد من الإخوان بأنهم يرغبون في الذهاب إلى سيناء من أجل رحلة علمية، ومن هناك تسربوا بأسلحتهم إلى فلسطين، ومع كثرة الإلحاح على جامعة الدول العربية، سُمح لعدد آخر من الإخوان بالمشاركة، ولكن تحت قيادة الجيوش النظامية(29).
· أبلى الإخوان المسلمون المصريون بلاءً حسناً في حرب فلسطين، وكان لهم دور مشهود في جنوب فلسطين في مناطق غزة ورفح وبئر السبع، حيث كانوا يهاجمون المستعمرات ويقطعون مواصلات اليهود، ومن أبرز المعارك التي شاركوا فيها هناك معركة التبة 86 التي يذكر العسكريون أنها هي التي حفظت قطاع غزة عربياً، ومعركة كفار داروم، واحتلال مستعمرة ياد مردخاي وغيرها، كما أسهموا بدور مهم في تخفيف الحصار عن القوات المصرية المحاصرة في الفالوجا. كما كان للإخوان المصريين مشاركتهم الفاعلة في معارك القدس وبيت لحم والخليل وخصوصاً صور باهر، وكان من أبرز المعارك التي شاركوا فيها في تلك المناطق معركة رامات راحيل، واسترجاع مار إلياس، وتدمير برج مستعمرة بيوت قرب بيت لحم، والدفاع عن تبة اليمن التي سميت تبة الإخوان المسلمين، نظراً للبطولة التي أبدوها، وقد استشهد من إخوان مصر في معارك فلسطين حوالي مائة، وجرح نحو ذلك وأسر بعضهم(30).
· شهد اليهود أنفسهم بدور الإخوان المسلمين في قتالهم، فعندما سئل موشي ديان بعد الحرب بقليل عن السبب الذي من أجله تجنب اليهود محاربة المتطوعين في بيت لحم والقدس، أجاب: " إن الفدائيين يحاربون بعقيدة أقوى من عقيدتنا، إنهم يريدون أن يستشهدوا ونحن نريد أن نبني أمة، وقد جربنا قتالهم فكبدونا خسائر فادحة، ولذا فنحن نحاول قدر الإمكان أن نتجنب الاشتباك معهم"(31).
· وقال في موضع آخر: "كنا إذا علمنا أن فرقة من الجيش بينها خمسة من الإخوان المسلمين نتجنب قتالهم". وتحت عنوان اعرف عدوك نشرت مجلة حائطية يصدرها الطلاب اليهود في الجامعة العبرية في عددها الصادر في حزيران 1970م، صورة للشيخ حسن البنا، كتب تحتها "إن صاحب هذه الصورة كان من أشد أعداء إسرائيل، لدرجة أنه أرسل أتباعه عام 1948م من مصر ومن بعض البلدان العربية لمحاربتنا، وكان دخولهم الحرب مزعجاً لإسرائيل لدرجة مخيفة، ولولا أن أصدقاء إسرائيل في مصر تكفلوا آنذاك بكبح أتباع حسن البنا وتخليص إسرائيل منهم، لكان وضع اليهود الآن غير هذا الوضع".
· كانت المكافأة التي قدمها النظام الحاكم في مصر للإخوان المسلمين على جهادهم المشرف ضد الهيود هي، اغتيال حسن البنا في 12-فبراير سنة 1949م، وعندما وصل بنفسه جريحاً إلى المستشفى، أمر الأطباء بعدم تقديم الإسعاف له إلى أن لقى ربه شهيداً.
صدرت الأوامر إلى قائد الجيش المصري في فلسطين بتجريد الإخوان المسلمين من أسلحتهم، ووضعهم في المعتقلات في رفح والعريش، ونفذ الأمر، وسجن الإخوان المسلمون في ساحة المعركة ثم سيقوا إلى المعتقلات والسجون في مصر وإلى سلسلة مريرة من التحقيق والإذلال.
لكَ الله يا أقصى تقنعت باكياً وكلُّ صناديدِ الرجالِ أسيرُ
بكيتَ وأيدي الجاهلياتِ تلتقي عليكَ، وعجلُ السامريُّ يخورُ
يديرُ رحاها ألف كسرى وقيصرٍ وألف حييٍّ للمديرِ مديرُ (32)
· شارك الإخوان المسلمون الفلسطينيون في الجهاد عندما اندلعت حرب 1948م، بالرغم من حداثة تنظيمهم، وقلة إمكاناتهم. إذ يذكر كامل الشريف قائد متطوعي الإخوان المسلمين في حرب فلسطين:" أن ثمانمائة مجاهد من أبناء فلسطين معظمهم من المتأثرين بالإخوان المسلمين شاركوا معه بالجهاد في جنوب فلسطين"(33).
· ويتحدث كامل الشريف أيضاً عن جهاد الإخوان المسلمين معه في منطقة يافا، وعن مشاركتهم في الهجوم على مستعمرة بتاح تكفا(34).
· ويتحدث عارف العارف أنه كان للإخوان المسلمين في يافا قوات متحركة يبلغ عددها ثلاثين مجاهداً بقيادة حسن عبد الفتاح والحاج أحمد دولة. وقد شاركوا في العديد من العمليات ضد اليهود(35).
وفي منطقة القدس شارك إخوان فلسطين في القتال مع إخوانهم القادمين من البلاد العربية(36).
· كما شارك الإخوان المسلمون السوريون بالجهاد في فلسطين، وكان عددهم حوالي مائة يقودهم المراقب العام للإخوان د. مصطفى السباعي، وقد اشتركوا ببسالة في معارك القدس مثل معركة باب الخليل ومعركة القسطل ونسف الكنيس اليهودي الذي اتخذه اليهود مقراً حربياً لهم(37).
· كما شارك الإخوان المسلمون في الأردن في حرب فلسطين وكان قائدهم الحاج عبد اللطيف أبو قورة، وخاضوا العديد من المعارك ضد اليهود(38).
· وكان للإخوان المسلمين العراقيين دور بالجهاد في فلسطين، فبعد أسبوع واحد من قرار التقسيم ساهم الإخوان المسلمون بقيادة الشيخ محمد محمود الصواف في تأليف جمعية إنقاذ فلسطين في بغداد، وكان الكثير من الإخوان بين المتطوعين الذين توجهوا إلى فلسطين، وبين قوات جيش الإنقاذ، وكانت لهم مشاركات فاعلة في المعارك بشمال فلسطين(39).
· عاد القساميون للمشاركة في ميادين الجهاد من جديد عندما أُعلنت الحرب عامي 47-1948م، وقد عمل معظمهم تحت توجيه الحاج أمين الحسيني ضمن جيش الجهاد المقدس، وظل القساميون يعملون وبالذات في مناطق الشمال. وقد أوقعوا في صفوف اليهود خسائر فادحة.
· ومن أشهر المعارك التي خاضتها قوات الجهاد المقدس معركة القسطل، وكان عبد القادر الحسيني قد طلب مساعدة اللجنة العسكرية للجامعة العربية بالسلاح لاسترداد القسطل، وعندما رفضوا خرج من عند رئيسها وهو يقول بصوت مرتفع "أنتم خائنون، أنتم مجرمون، سيسجل التاريخ أنكم أضعتم فلسطين، سأحتل القسطل، وسأموت أنا وجميع إخواني المجاهدين"، وفي 8-إبريل-1948م انتصر عبد القادر ورفاقه في معركة القسطل، وحرروها بعد أن قتلوا حوالي 350 يهودياً. واستشهد قائد قوات الجهاد المقدس عبد القادر الحسيني في هذه المعركة.
· انحسر التيار الإسلامي في فلسطين ومصر وبقية الدول العربية بسبب بروز الأنظمة التي رفعت شعارات القومية والثورية، وبسبب محاربة هذه الأنظمة للتيار الإسلامي واتهامه بالعمالة والرجعية. وتعلق الناس ببعض هؤلاء الزعماء وظنوا أنهم صادقون جادون في تحرير فلسطين.
· وعندما رأت الشعوب الهزائم المتتالية لهؤلاء القادة والزعماء، وعرفت عمالتهم الخفية للدول الكبرى، بدأت بالعودة إلى دينها، وقد نشط الإخوان المسلمون في مصر وفلسطين وفي غيرهما من الدول العربية في توضيح الحقائق للجماهير ونشطوا في كسبهم وتوعيتهم وتربيتهم على مبادئ وتعاليم الإسلام، وأسهموا بشكل فاعل في بروز الظاهرة التي عرفت بالصحوة الإسلامية.
· آثر الإخوان المسلمون في فلسطين أن لا يبدءوا مرحلة قتال اليهود إلا بعد أن يصنعوا جيلاً مؤمناً ملتزماً بدينه، محباً للجهاد في سبيله، وخصوصاً أن كثيراً من أبناء فلسطين قد تأثروا خلال فترة سيطرة الأنظمة الثورية بأفكار إلحادية وعلمانية وابتعدوا عن دينهم، وقد استمر الإخوان في عملٍ جادٍ ودؤوب، استمر طوال فترة السبعينات من القرن الماضي، وبداية الثمانيات، وعندما تحققت أهدافهم، وأصبح التيار الإسلامي هو الأقوى والأكثر شعبية في صفوف الفلسطينيين، بدأ الإعداد للجهاد المسلح ضد اليهود.
· في سنة 1980م كشف الكيان الصهيوني تنظيم أسرة الجهاد في قرى المثلث وأم الفحم وكفر قاسم وقلنسوه وباقة الغربية، وقد قام هذا التنظيم بتدمير العشرات من المرافق الاقتصادية، وإحراق السيارات والمعامل و البساتين الإسرائيلية.
· وفي سنة 1983م، كشفت السلطات الإسرائيلية أسلحة داخل قبو في أحد المساجد، وقبضت على الشيخ أحمد ياسين وعدد من الإخوان المسلمين وحاكمتهم بتهمة الانتماء لتنظيم معادٍ لإسرائيل، وحكم على أحمد ياسين بالسجن ثلاثة عشر، عاماً ثم خرج في عمليتي تبادل أسرى بين الجبهة الشعبية والكيان الإسرائيلي في 20-مايو 1985م.
· أنشئت في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات حركة الجهاد الإسلامي، وكان أبرز قادتها الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي والشيخ عبد العزيز عودة، وقد ركزت هذه الحركة على المعاني الجهادية وتحرير الوطن وتنظيم العناصر للقيام بالعمليات العسكرية، واستطاعت القيام بعدد من العمليات الجهادية.
· فجر الإسلاميون الانتفاضة في ديسمبر 1987م، وواجهوا اليهود بحماس كبير، ونوعية مختلفة من الشباب لم يعهدوها من قبل، وقد حدث ذلك في وقت كانت إسرائيل تتهيأ لإبرام اتفاقيات مع قادة م.ت.ف. تحقق مصالحها فقط، وقد شارك في هذه الانتفاضة الشعب الفلسطيني بكافة فصائله، لكن دور الإسلامين فيها كان الأكثر بروزاً.
· شكل الإخوان المسلمون حركة المقاومة الإسلامية حماس، وهي حسب ميثاقها تعتبر الإسلام منهجها، منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها، وإليه تحتكم، ومنه تسترشد خطاها.
وتهدف حماس إلى تحرير فلسطين وإقامة دولة الإسلام عليها وإعادة الحقوق إلى أصحابها، وترى حماس أن فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط بها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها، وأنه لا حل لقضية فلسطين إلا بالجهاد في سبيل الله وأن العمل على تحريرها فرض عين على كل مسلم حيثما كان.
· قامت حماس منذ انطلاقتها بمئات العمليات النوعية ضد اليهود، وما زالت ترفع لواء الجهاد في فلسطين بالرغم مما تعرضت له من سجنٍ وتعذيب وإبعاد واستطاعت هذه الحركة وكذلك حركة الجهاد الإسلامي أن تلحقا باليهود خسائر فادحة، لم تعرفها في حروبها مع جيوش الأنظمة العربية، كما استطاعت أن تنقل الرعب إلى داخل الكيان اليهودي بعمليات أبنائها الاستشهادية.