القدوة وحدها لا تكفي‎

في خضم الصراع بين الحق والباطل يطرح البعض القدوة الحسنه وسيلة من وسائل التغيير , وهذا جيد ما بقي التغيير بالقدوة الحسنه وتقديم النماذج البشريه الملتزمه وسيلة واحدة من وسائل متعدده للتغيير , وبديهية يلتزمها العاملون من أجل التغيير , ولكن الأمر يختلف تماما عندما تكون فلسفتنا في التغيير محصورة في إلتزامنا الشخصي وضربنا أمثلة من القدوة الحسنه في السلوك العام , هنا تصبح القدوة الحسنه بديلا عن الدعوه وبديلا عن الإنخراط في العمل السياسي ومبررا للإنسحاب من الحياة العامه إلي الإنزواء في الحياة الخاصه وترك شئون الحياة العامه فريسة للفاسدين والمفسدين.

إن إنكفاء المواطن الشريف علي نفسه , وتركيز كل مجهود له في الحياه علي إنشاء أسرة صالحه وتنشئة أبناء وبنات صالحين ليس إلا تمكينا لقوي الشر في المجتمع , ماذا يفيد الوطن عندما نخلف له أوضاعا فاسده تعصف بأبناء صالحين نتركهم من خلفنا فريسة للقهر السياسي والإقتصادي والإجتماعي الكفيل بإفسادهم قهرا وظلما وعوزا.

لقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم قدوة حسنه قبل النبوه حتي لقبوه بالأمين , ولكن أمانته الرائعه لم تؤثر في المجتمع الجاهلي قبل النبوه , لم يكن صلي الله عليه وسلم ممن يشربون الخمر أو يدفنون البنات أحياء أو يأكلون الربا ومع ذلك لم تكن هذه القدوة العظيمه لتغير هذا المجتمع الجاهلي وتنأي به عن هذه الأفات السيئه , بيد أن الأمر قد تغير تماما عندما خرج علي المجتمع الجاهلي بدعوة تدعو إلي الحق وتنكر الباطل وعندما كون الدين الجديد جماعة مؤمنه تجاهد من أجل أن تعم العداله ويسود الخير.
ماذا لو ترك الرعيل الأول من الصحابه الدعوة والجهاد وتفرغو في معزل عن المجتمع لتربية أولادهم تربية إسلاميه علي أمل أن تحدث المعجزه وتتغير الأجيال القادمه بالإنتشار السلبي للدعوه من الأباء إلي الأبناء , هل كان الإسلام لينتشر ؟؟ هل كانت الإصنام لتُحطم وتطرح في المزابل بعيدا عن بيت الله الحرام ؟؟ هل كان للإمبراوطورية العربيه أن تُولد , هل كنا لنُصبح اليوم مسلمين؟؟
ماذا لو تفرغ سعد زغلول ورفاقه لصناعة المواطنين الصالحين من أنفسهم وإنشغلو بتربية أولادهم دون الإنخراط في القطية الوطنيه هل كنا لنحصل علي ثورة 1919 بكل أثارها الحميده؟؟
ماذا لو إنغلق الإمام الشهيد حسن البنا علي دوره الوظيفي كمدرس , هل كانت الأمه لتكسب ملايين المخلصين في مشارق الأرض ومغاربها ؟؟
ماذا لو قرر الرئيس جمال عبدالناصر ورفاقه من الضباط الأحرار أن يكونو ضباطا ملتزمين وأن يحصر كل منهم دوره الوطني في قدوة حسنه ومثل طيب في دوره الوظيفي , ماذا لو قررو يومها تربية الأولاد الصالحين هل كنا لنتخلص من الملكية البغيضه , هل كنا لنحصل علي مجانية التعليم , وهل كنا لنتخلص من الإقطاع ومن الوجود الأجنبي المحتل في مصر ؟؟؟
إن تغليب الدور الوظيفي والأسري للمواطن علي دوره الوطني والقومي وعلي واجباته الإسلاميه في الدعوه والجهاد قد صنع أمة خائره ومكن الأقزام منها , فقادوها قيادة الرعاة المهملين لقطعان الغنم فتركوها نهبا للذئاب والثعالب.
إن تحرك الأمه الفاعل من أجل التغيير مرهون بحركة الغالبية العظمي من أبنائها في إتجاه إنتزاع الحقوق وبناء النهضه ولن يحدث ذلك إلا عندما نُقنع الغالبية الصامته بأن صمتها خيانة للأمه وبأن ما يدعيه الصامتون من دور عظيم في العمل الوظيفي أو في الرعاية الأسريه ليس إلا مبرراً للهروب من تحمل الواجب القومي وليس إلا عبثا لا
طائل من ورائه , إذ كيف يمكن أن نكون أسرا صالحة في مجتمع فاسد , وكيف يمكن أن نؤدي وظائفنا بمهنية في رعاية دول فقدت دورها الوظيفي وصدرت وظائف شعبها وأعماله إلي بلاد أخري وتركتنا عاطلين ومفلسين.

إن ما نفرضه علي أنفسنا , وما نطلبه من أهلنا أن يقدم كل منا ما يمكنه من جهد وفي حدود إمكانياته في معركة الوطن من أجل الإنعتاق والخلاص من الخوف والجهل والفقر والمرض , والله المستعان

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]