لماذا تخشى المرأة التقدم فـي السن
لا شك في أن المرأة أكثر خشية من الرجل في مسألة التقدم في السن، ولهذه الخشية أسباب موضوعية وتاريخية نسجت خيوط هذا الخوف وهذه الخشية بالاتكاء على ميراث خمسة آلاف سنة أو يزيد من انثروبولوجيا التفرقة بين الرجل والمرأة والسياسات الجنسانية التي انبنيت بالاستناد إلى هذا الميراث الذي نسج هوية ثقافية جنسوية للمرأة أعلت من شأن دورها البيولوجي الذي سينتهي في سن معينة ما مرافقاً بأدبيات هائلة عن سن اليأس ويأس السنين الذي يعتري المرأة أو يفترض به كذلك.
وقد شغلت هذه المسألة النسويات الذين يردن إعادة كتابة المرأة تاريخاً وجسداً وخاصة في المسائل الأكثر وطأة، وكأن المرأة تتقدم في السن في حين أن الرجل لا يتقدم في السن ولا يعاني من رهابات سن اليأس، والواقع أن توسيم المرأة بهوية الجسد هو من أهم الأسباب الدافعة النساء لرهاب السن، الذي قد يتصاحب في عالمنا العربي بطقوس موحية بهذا المآل اليائس، حيث تدفع المرأة إلى احتشامات مجتمعية بسبب من بلوغها سن معينة يفرض عليها أدواراً جديدة كأدوار الجدة، والحماة التي ترى بأم عينها امرأة شابة تأخذ ابنها بادئة نشاطاً جنسياً مفعماً بالإنجاب حتى وأن احتسب لصالح الرجل الوالد وما هو بذلك ، فهو والد من باب المجاز الأبوي ، وهو الأب بالاستناد إلى ما تقوله الأم ، فالأب كما تشير الدراسات هو لغة الأم وهو الشخص الذي تقول الأم إنه الأب، ما يعني أن الأب كما يقول الباحث فتحي بن سلامة ليس خلاصة عملية بيولوجية ، بل هو عملية كلامية ، وإذن فكرية، وهناك يقين فيما يتعلق بالأم التي تصبح الثابت ويصبح هو المتحول ، وعلية فقد احتل ومنذ أساطير الخلق البابلية مكانة في الرمزي والتخييلي، وأخذت المرأة مكانها في المتحدد عياناً بالجسد وأداء هذا الجسد الذي سيتعرض للانهيار بفعل السنين ، ما جعل الأب سلطة تحاول المرأة استيعابها وتمثلها وبناء نموذج الأب الرمزي الذي لا يخضع لمعايير التقدم في السن كما هو حال المرأة التي تتحدد في العقد الاجتماعي الرمزي بكونها جسداً ، وحيث يتوفر لدى الرجل كما تقول الكاتبة العالمية الفريدا يلينيك فرصة التعويض عن تراجع جاذبيته الجسدية بواسطة منجزات، ومفاخر فكرية وفنية أو مادية ، في حين أن لممثلة جميلة أو عارضة أزياء في العشرين من عمرها قيمة أكبر مما هي لامرأة حازت نوبل الآداب في الستين من العمر كما هي ألفريدا يلينيك، وخاصة في مجتمعات تمجد الكمال الجسدي أي الجسد وأداءه، وتزدري الفكر ومنجزاته.
في إحدى الندوات التي التأمت أركانها لمناقشة قضايا المرأة في مجتمعنا الأردني قال الكاتب هاشم غرايبة إن أكثر ما يفجعني، ويحزنني أن تداهم نساء قريتي بالكهولة وهنّ في مقتبل العمر ، في إشارة لشريحة نسوية عريضة يصبحن جدات وهن على أبواب الثلاثين مثلاً حيث يفرض عليهن هذا الدور تمثلات مجتمعية تدخلهن ما يسمى بسن اليأس مبكراً بكل ما يعني ذلك من اندحار وزهد في الحياة ومحابتّها ، ما يعني أن رسوخ المتخيل واتكاءه على جسد المرأة تقديساً وتدنيساً قد ساهم في تكريس خوف ورهاب التقدم في السن ، وكما تقول النسويات في دراسات المرأة: فإن المتخيل في مجتمعاتنا مهما تعدد، ومهما تنوع ومهما امتد على مساحة الديني، والسياسي، والشعبي والإبداعي يكاد يجمع على رسم صورة نمطية دونية عن المرأة ما جعله سلطة رمزية يحتل فيها جسد المرأة حيزاً يختزلها في جسد ينهار بفعل السنين ، وتخفف القيود التي كانت قد وسمته شاباً ما يجعل المرأة مرعوبة من الوصول إلى هذه المرحلة التي تدانيها جسداً من الذكورة غير المقيدة كثيراً ما يجعلها خارج مساحات الفعل والإغواء، وبسط النفوذ وفق طرائق نسوية من جديد ، يكون الجسد أحد أدواتها فهي الحال كهاته أسيرة لميراث مجموعة الخطابات الضالة التي دفعت بها لرؤية نفسها من هذا المنخفض البيولوجي في فصل حاد ما بين الجسد والروح، ما يقودها إلى أزمة في التعاطي مع مسألة التقدم في العمر تجعلها تفصل عن ذاتها، وتصير ضحية تصورات الآخرين عنها .
عن صحيفة الرأي الاردنية
15/10/2007