النائب فتحي القرعاوي
تأسست وكالة الأمم المتحدة لإعاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى ((الانروا)) في أعقاب مأساة عام 1948 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (302) لغرض تقديم الإغاثة المباشرة وبرامج تشغيل اللاجئين الفلسطينيين فهذه المنظمة أقيمت بهدف إنساني هو إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ورعايتهم إلى حين عودتهم إلى ديارهم التي اخرجوا منها ،وذلك وفق قرارات الأمم المتحدة..إلا أن الاحتلال الإسرائيلي قام بجملة خطوات ضد وكالة الغوث الدولية في محاولة لإلغاء دورها لتتمكن من إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وشطبها لأنها تمثل لب القضية الفلسطينية ،ولذلك لجأت الحكومات الاسرائيلة المتعاقبة وحاولت وعملت باستمرار على إنهاء دور الانروا وتصفية المخيمات وتوظيف المساعدات الدولية ضمن خطط وبرامج لتوطين اللاجئين وفرض حلول تتماشى وفق الرؤية الصهيونية ، ويبدو هذا واضحا من خلال تحويل الدعم المالي للفلسطينيين إلى مشاريع وفق رؤية الممولين بعيدا عن الوكالة وهو ما أوصلها إلى الأزمة المالية الحالية الخانقة التي تمر بها. متماشيا مع هذا المسلسل فإن الرؤية الاسرائلية للحل تتلخص في:
أولا :عدم عودة اللاجئين إلى ديارهم التي اخرجوا منها باستثناء أعداد بسيطة من خلال ما يسمى بجمع الشمل.
ثانيا: توطين اللاجئين في المخيمات وفي الأماكن التي يتواجدون فيها او ترحيلهم.
ثالثا: تعويض اللاجئين بمبالغ ضئيلة تدفعها الدول الغربية ودول النفط العربي.
المفاوضات الثنائية بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني كان المسار الرئيسي فيها هو عمل لجنة اللاجئين التي تم تشكيلها حيث كانت كندا تقود هذه المفاوضات ،وهي التي حددت آلية الحوار باجتماعات تنسيقية شاركت فيها اربعون دولة وكانت الية الحوار تسير على محورين : الاول تطوير البنية الاجتماعية والاقتصادية في تجمعات اللاجئين بالتعاون مع الدول المضيفة ،والثاني : دعم عمل سلمي عبر توفير مقومات التأهيل والتوطين حيثما يتفق عليه ولقد حددت اجندة اجتماع لجنة اللاجئين وفق الرؤية الاسرائيلية لدرجة ان اسرائيل اعترضت على رئيس الوفد الفلسطيني ((الياس صنبر)) في اول اجتماع في اللجنة كونه من فلسطيني الشتات وفي اللقاء الثاني تم ابعاد الياس صنبر واستبداله بمحمد حلاج الذي انكر وجوده في المجلس الوطني الفلسطيني بناءا على ضغظ من الجانب الاسرائيلي.
وفي هذه الجلسه رفض الجانب لاسرائيلي اعتماد القرار 194 كمرجعية للبحث وقدم المفاوض الفلسطيني تنازلا حول هذا الموضوع حيث ركزت اجتماعات لجنة اللاجئين على الجانب الانساني فقط.
ومع قدوم السلطة الفلسطينية بعد اتفاق اوسلو شكلت قضية اللاجئين حجر العثرة امام أي تقدم للمفاوضات بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني حيث جوبهت أي محاولة من الجانب الفلسطيني للتنازل عن حق العودة بردة فعل قوية للفلسطينين في الداخل والشتات.الا ان هناك تخوفات كثيرة وهواجس حول لجوء السلطة الفلسطينية وبضغوطات امركية واسرائيلية واقليمية عربية على التنازل عن حق العودة مقابل وعود باهته لاقامة دولة فلسطينية على اجزاء من الضفة الغربية ولعل تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية عن استعداد الجانب الفلسطيني تقديم تنازلات تاريخية من اجل انهاء الصراع يدخل في هذا الاطار ثم بالونات الاختبار التي كانت تطلقها شخصيات فلسطينية من حين لآخر حول الغاء حق العودة امثال ياسر عبد ربه وغيره تشير الى خطورة ما يمكن ان تقوم به السلطة في هذا المجال بعد ان اثبتت التجارب ان السلطة لديها الاستعداد للاستجابه للضغوطات لتقديم تنازلات خطيرة.
ومع قدوم السلطة بعد اتفاقية اوسلو تم تشكيل ما يسمى بلجان الخدمات في مخيمات اللاجئين والتي تشكلت من لون واحد حيث اعضاء هذه اللجان هم فقط من أعضاء حركة فتح وقد اشرفت هذه اللجان على توزيع ما تقدمه وكالة الغوث من مساعدات ومعونات ثم تطور دورها في تعين وتشغيل بعض العاطلين عن العمل من اللاجئين على بند البطالة في مؤسسات المخيمات ثم بعد ذلك قامت مشاريع تصليحات واسعة في المخيمات كل ذلك على حساب تهميش دور وكالة الغوث وخطوات متقدمة نحو الغاء هذا الدور مستقبلا وبالتنسيق مع المانحين مباشرة دون الرجوع للوكالة ،وهذا امر يثير الهواجس والشكوك حول دور السلطة وجهات اخرى في تهميش وتمويت دور وكالة الغوث ثم تطوير المخيمات على الطريقة التي يريدها الاسرائيليون مما يؤدي بالنهايه الى عملية التوطين هكذا وبصمت ودون أية ضجه وبأيادي فلسطينية بل ووطنية. ان المراقب لهذه المشاريع يدرك انها مشاريع بنية تحتية طويلة الامد فإن كان اللاجئ الفلسطيني بحاجة الى الماء والكهرباء فما هي حاجته لقاعات الافراح حيث بني في بعض المخيمات عدة صالات وقاعات واسعة وفارهة وعلى احدث الطرق الهندسية وكذلك فقد تم غض البصر عن التوسيعات التي قام بها اللاجئون في مجال البناء فبعد ان كان من الممنوعات على اللاجئين بناء اكثر من طابق في اصعب الظروف وللحالات الملحة فانه في بعض المخيمات الان اربعة وخمسة طوابق وربما اكثر وسمح ببناء وشراء الشقق وتم غض البصر عن بناء المخازن والمحلات التجارية وتاجيرها باسعار خيالية كل ذلك يشير الى خلق حال من الاستقرار داخل المخيمات ومن ثم الغاء وانهاء دور وكالة الغوث وذلك مرتبط بما يجري من حديث حول مراحل الحل النهائي والتي من ضمنها تصفية قضية اللاجئين. اننا نرى في المخيمات مرافق ومكاتب بعضها معروف الهدف منه وبعضها لا تدري ولا تعلم مالهدف من اقامته. وبعد حالة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني اصبح وضع المخيمات لا يختلف كثيرا عن اية مدينة او قرية اخرى من حيث سيطرت حركة فتح على كافة الامور والمجريات والمشاريع والمؤسسات داخل المخيمات مما ادى الى فقدان الرقابه الداخلية وانعدام الشفافية.
وفي الاونة الاخيرة صارت احاديث مدعمة بالامثلة تشير الى ان السلطة الفلسطينية ستبدا في الفترة القريبة القادمة بتحصيل الضرائب من سكان المخيمات وهذا الذي لم يكن موجودا في الحقبة الاردنية او زمن الاحتلال مع الاخذ بعين الاعتبار ان اللاجئين لا يملكون في المخيمات سوى بعض الدكاكين او المشاريع البسيطة هذه اشارة اخرى في مساهمة السلطة في عملية التوطين ودمج اللاجئين.
لقد كانت شخصية مدير المخيم ودورها محوريا واصبح الان ثانويا بعد استلام لجان الخدمات فهي التي تعين من تشاء وتقيل من تشاء حتى مدير المخيم فلا دور له الا دورا رمزيا من اجل التواصل بين اهل المخيم ووكالة الغوث فكل ادوار مدير المخيم سلبتها تلك اللجان ولم يعد لمدير المخيم أي دور ،ولا يستغرب القارئ الكريم اذا قلت ان بعض مدراء المخيمات لا يعرف الناس اسماءهم.
ان الاوضاع العامة في المخيمات رغم المشاريع البادية للعيان في مجال بناء القاعات وغيرها هي بائسة ومؤسفة خاصة في الجانب الصحي حيث تنتشر الكثير من الامراض ومنها المستعصية ولا يستطيع كثير من الناس الحصول على العلاج اسوة بغيرهم من الناس خارج المخيمات وهناك نسبة عالية من الفقر يوضح ذلك النسبة الكبيرة من العاطلين عن العمل.ان بعض العائلات تعيش على الكفاف وعلى الحد الادنى من المصروف خاصة بعد تجميد وكالة الغوث لمعظم المساعدات العينية التي كانت تقدم لهم ، ان الغلاء الفاحش وارتفاع الاسعار وعدم وجود فرص عمل والوضع غير الصحي للوحدات السكنية وضيق الازقة والحواري يجعل الوضع الانساني في المخيمات غاية في السوء والصعوبة مما يتطلب من وكالة الغوث ان تاخذ دورها وعلى جناح السرعة في اغاثة اللاجئين على كافة الصعد.
واخيرا وليس آخرا فإن الوضع التعليمي في مدارس الوكالة يسير من سيء الى أسوأ من حيث اكتظاظ الصفوف بشكل كبير، ففي بعض المدارس يجلس ثلاثة طلاب على مقعد واحد ويحوي الصف الواحد ما بين 40-45 طالبا او طالبة ناهيك عن مستوى التعليم المتدني الناشئ عن الظروف انفة الذكر. ان الذي يتحمل مسؤلية ذلك هي ايضا وكالة الغوث التي تخلت عن دورها الانساني والاغاثي المنوط بها وانتقلت فى الاونة الاخيرة لتمارس دورا سياسيا له عواقبه ونتائجه الخطيرة.
ان اضراب وكالة الغوث الذي يشمل كافة قطاعات الوكالة من صحية وتعليم وخدمات ومكاتب ومدراء المكاتب ومدارس ومعاهد وعيادات صحية وعمال نظافة ينذر بكارثة حقيقية يلزم وكالة الغوث بالتحرك السريع لانقاذ الوضع الانساني داخل المخيمات ووقف الإجراءات ضد العاملين في مختلف القطاعات. ان وكالة الغوث اليوم قد عشش فيها الفساد حتى طفا على السطح، ومطلوب منها تصنيف الوظائف وفق معاير عادلة وإنصاف بقية العاملين ،اما السلطة الفلسطينية فانها اذا ارادت الخروج من دائرة الاتهام فإن عليها الدعوة الى مؤتمر قمة عربي يدعو الى تدارك الوضع الانساني للاجئين الفلسطينين، وان تستحث الدول العربية بالمساهمة المالية في ذلك وخاصة في مجال التشغيل وفتح المشاريح ومساعدة اللاجئين على الصمود ثم في اشراك كافة القوى في المخيمات في مساعدة الناس في الاشراف على توزيع المعونات المقدمة، وان تعلن للناس صراحة بالقول و الفعل انه لاحل لقضية اللاجئين الا بالعودة الى ديارهم التي اخرجوا منها وبالتعويض العادل لهم.