الموضوع اخواتي عن السلف الصالح واعمالهم
مع السلف في مواجهة فتنة النساء
ذكر الإمام ابن القيم في روضة المحبين قصة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهي تتعلق بشاب صالح كان عمر ينظر إليه ويعجب به ، ويفرح بصلاحه وتقواه ويتفقده إذا غاب ، فرأته امرأة شابة حسناء ، فهويته وتعلقت به ، وطلبت السبيل إليه ، فاحتالت لها عجوز وقالت لها : " أنا آتيك به " ، ثم جاءت لهذا الشاب وقالت له : " إني إمرأة عجوز ، وإن لي شاة لا أستطيع حلبها ، فلو أعنتني على ذلك لكان لك أجر " - وكانوا أحرص ما يكونون على الأجر - ، فذهب معها ، ولما دخل البيت لم يرى شاة ، فقالت له العجوز : " الآن آتيك بها " ، فظهرت له المرأة الحسناء ، فراودته عن نفسه فاستعصم عنها ، وابتعد منها ولزم محراباً يذكر الله عز وجل ، فتعرضت له مرارا فلم تقدر ، ولما آيست منه دعت وصاحت ، وقالت : " إن هذا هجم عليّ يبغيني عن نفسي " ، فتوافد الناس إليه فضربوه ، فتفقده عمر في اليوم التالي ، فأُتي به إليه وهو موثوق ، فقال عمر : " اللهم لا تخلف ظني فيه " ، فقال للفتى : " أصدقني الخبر " ، فقص عليه القصة ، فأرسل عمر إلى جيران الفتاة ، ودعى بالعجائز من حولها ، حتى عرف الغلام تلك العجوز ، فرفع عمر درّته وقال : " أصدقيني الخبر" ، فصدقته لأول وهلة ، فقال عمر : " الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف ".
وعن الإمام العجلي قال : " كانت امرأة جميلة بمكة ، وكان لها زوج ، فنظرت يوما إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها : أترى أحدا يرى هذا الوجه ولا يفتتن به ؟ ، قال : نعم ، قالت : من ؟ ، قال : عبيد بن عمير ، قالت : فأذن لي فيه فلَأَفتنّنه ، قال : قد أذنت لك . فأتته كالمستفتية ، فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام ، فأسفرت عن وجهها ، فقال لها : يا أمة الله اتقي الله ، فقالت : إني قد فتنت بك فانظر في أمري ، قال : إني سائلك عن شيء ، فإن أنت صدقت نظرت في أمرك ، قالت : لا تسألني عن شيء إلا صدقتك ، فقال لها : أخبريني ، لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ ، قالت : اللهم لا ، قال : صدقت ، فلو أُدخلت في قبرك ، فأُجلست للمساءلة ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ ، قالت : اللهم لا ، قال : صدقت ، فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين : أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك ، أكان يسرك أنى قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت ، فلو أردت المرور على الصراط ، ولا تدرين تنجين أم لا تنجين ، أكان يسرك أنى قضيت لك هذه الحاجة ؟ ، قالت : اللهم لا . قال : صدقت ، فلو جيء بالموازين وجيء بك لا تدرين : تخفين أم تثقلين ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ ، قالت : اللهم لا . قال : صدقت ، فلو وقفت بين يدي الله للمساءلة ، كان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال صدقت ، اتقي الله يا أمة الله ؛ فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك . فرجعت إلى زوجها ، فقال : ما صنعت فقالت له : أنت بطّال ، ونحن بطّالون . فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة ، فكان زوجها يقول : ما لي ول عبيد بن عمير ؟ ، أفسد علي زوجتي ، كنت كل ليلة عروسا ، فصيّرها راهبة " .
وقال محمد بن إسحاق : " نزل السَّرِيُّ بن دينار في درب بمصر ، وكانت فيه امرأة جميلة فتنت الناس بجمالها ، فعلمت به المرأة ، فقالت : لأفتنّنه ؛ فلما دخلت من باب الدار تكشفت وأظهرت نفسها ، فقال : مَالَكِ ؟! فقالت : هل لك في فراش وطي ، وعيش رخي ؟ ، فأقبل عليها وهو يقول :
وكم ذي معاص نال منهن لذة ومات فخلاّها وذاق الـــدواهيا
تصرمُ لـذّات المعاصي وتنقضي وتبقى تِباعاتُ المعاصي كـما هيا
فيا سوءتا والله راءٍ وسامــع لعبدٍ بعين الله يغشــى المعاصيـا
______________________________ _____
* مع السلف في قراءة القرآن
عن عطاء بن السائب أن أبا عبد الرحمن السلمي قال : " أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن ، فكنا نتعلم القرآن والعمل به ، وسيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء ، لا يجاوز تراقيهم " .
عن إبراهيم قال : " كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين ، وكان ينام بين المغرب والعشاء ، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال .
عن ابن شذوب قال : كان عروة بن الزبير يقرأ ربع القرآن كل يوم في المصحف نظرا ، ويقوم به الليل ، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله ، وكان وقع فيها الآكله فنُشرت .
قال سلام بن أبي مطيع : " كان قتادة يختم القرآن في سبع ، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة .
وروى إسحاق المسيبي عن نافع قال : " لما غسل أبو جعفر القاريء ، نظروا ما بين نحره إلى فؤاده كورقة المصحف ، فما شك من حضره أنه نور القرآن .
قال يحيى الحماني : " لما حضرت أبا بكر بن عياش الوفاة بكت أخته ، فقال لها : ما يبكيك ؟ ، انظري إلى تلك الزاوية ، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة " .
وقال أحمد بن ثعلبة : سمعت سلم بن ميمون الخواص يقول : " قلت لنفسي : يا نفس ، اقرئي القرآن كأنك سمعتيه من الله حين تكلم به ، فجاءت الحلاوة " .
عن الأعمش قال : " كان يحيى بن وثّاب من أحسن الناس قراءة ، ربما اشتهيت أن أقبل رأسه من حسن قراءته ، وكان إذا قرأ لا تسمع في المسجد حركة ، كأن ليس في المسجد أحد " .
قال أبا بكر بن الحداد : " أخذت نفسي بما رواه الربيع عن الشافعي أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة ، فأكثر ما قدرت عليه تسعا وخمسين ختمة ، وأتيت في غير رمضان بثلاثين ختمة " .