مـن واقـع الـحـيـاة الـفـلسـطـيـنـيـه

الــحـلـقـة الأولـى
في رحـلـة الى دولـة عـربـيـه مـحـيطـة بـفـلسطـيـن عـلـم أن أحـد أصـدقـاء طـفـولـتـه أصـبـح أسـتـاذا فـي أحـدى جـامـعــاتـهـا. تـوجـه لـيـفـاجـئـه بـزيـارتـه. لـم يـصـدقـى عـيـنـيـهـمـا بـعـد هـذا الـفـراق الـطـويـل أن يــلـتـقـيـا مـرة أخـرى وأن يـرى كـل مـنـهـمـا الأخـر وأنـهـم مـا زالا عـلى قـيـد الـحـيـاه فـي تـمـام الـصـحــة والـعـافـيـه وخـاصـة أن أحـدهـم ألتـحـق بـالـمـقـاومـة والـثـانـي عـايـش حـربـان مـدمـرتـان.
لـقـد كـان لـقـاء عــاصـف بـيـن أبـنـاء مـدرسـة واحـده, أفـتـرقـا مـن أجـل تـحـصـيـل الـعـلـم وجـائـت هـزيـمـة الـدول الـعـربـيـة (1967م) لـيـنـقـطـع الـتـواصـل مـثـل مــأة الألاف مـن الـشـعـب الــفـلسـطـيـنـي الـذي تـشـتـت للـمـرة الـثـانـيـه ولـم يـعـلم أحـدا مـا حـل بـالأخـر وأصـبـح مـصـيـر الألاف مجـهـول مـنـذ أكـثـر مـن عـقـديـن مـن الـزمـن.
أثـنـاء تـنـاول الـقـهـوه فـي مـكـتـب الصديق بـالـجـامـعـة طـرق الـبـاب وهـلـت مـهـرة مـن خـيـول العـرب الأصـيـلـه, سـبحـان الـخـالـق في مـا خـلـق. مـد يـده ومـدة يـدهـا وأعــتــلــت الشـفـاة الـورديـه أبـتـسـامـة جـذابـة وبـرقــت عـيـون عـسلـيـة تـضـيـئ القـمـر. تــعـانـقـت الـنـظـرات وتـشـابـكـت الأيـدي كـعـاشـقـيـن تـقـابـلا بـعـد فــراق. نـظـر فـي عـيـنـيـهـا وأخـذ يـتـفـحـص الأبـتـسـامـة الـسـحـريـة التي لـم تـغـادر الثـغــر الـجـمـيـل. أحـنـت رأسـهـا قـليـلا الى الأرض, تـصـبـب الـعــرق, خـفـق الـقــلـب وكـاد يــقـفـز مـن الـجـسـد. أخـرج مـن جـيـبـه الـمـنـديـل ومـرره عـلى خـدود الـيـاسـمـين وبـلا شـعـوريـه مـسح وجـنـتـيـه ثـم ضـغـط بـه عـلى شـفـتـيـه كــمـن يـضـم عـشـيـقــة بـيـن ذراعـيــه وكـأنـه يـقـول,,, عـطـر وجـنـتـيــك لـه مــكـانـه خـاصـه ولا يـقـدر بـثـمـن,,,.
نـطـرت الـيه ولـم يـسـتـطـع مـقـاومـة الـنـظـرات لـيـنـفـض يـده ويخـرج دون أن يـلـتـفــت خـلـفـه لـيـغــادر الـمـكـان ويـسـتـقــل أول سـيـارة تـقـلـه الى غـيـر الـمـكـان.
جـلس وحـيـدا يــرشــف الـقـهـوة ويـنــفــث سـمـوم سـجــارتـه كـغـيـرعــادة وخـيـالـه يـستـعـيـد مـا جــرى والـشـعـور الـغــريـب الـذي أصـابـه والسـر الـذي كمـن فـي تـلـك الـنـظـرات والأبـتـسـامـة الـتـي لـم يعـهـدهـا إلا عـلى ثـغــرالمـهـا التي بـادلـتـه نـفـس الـشـعـور فـي أول لـقـاء لـهـمـا قـبـل أكـثـر مـن عـقــد مـن الـزمـن. أخـذ يتـسائـل هـل أعـاد الـزمـن نـفـسـه أم عــاش لـحـظـة وهـم عـابــره أم رأى طـيـف الحبـيـبـة التـي أرغــمـت عـلى عـدم الـرجـوع الـيـه لـيصـبـح مـصـيـرهـا مـجـهــول؟ كـيـف لـه أن يـتـحـقــق, وإذ كـان, كـيـف لـه أن يـتــعـرف عـلى شـعـورهـا نـحــوه فـي مـجـتـمـع مـحـافـظ تـحـسـب فـيـه كـل خـطـوة, لـيس كـالـذي أستـقـر فـيـه بـأطـواره الغـريـبـه لا تـقـالـيـد ولا قـيـم وهـو الـذي مـا زال مـتـمـسـك بالـعــادات التـي تـربـى عـليـهـا رغـم المـسـافـة والـزمـن ولا يـسـتـطـيـع أن يــقـفـز فـوق هـذه الـتـقـالـيـد والـعــادات حـتـى لا يـتسـبـب فـي أحــراج نـفـسـه قـبـل أن يسـبــبـه لأحــد.

اقــضى يـومـه يـتـجــول بـيـن مـقـاهـي وشـوارع الـمــديـنـه وخـيـالـهـا لـم يــفــارق مـخـيلـتـه. عـاد الى الـفـنـدق والـقى بـنـفـسـه عـلى الـسـريـر لـيمـضـى لـيـلـتـه فـي أرق لـم تـغـمـض لـه عـيـن ولـم يـرى فـيـهـا طـعـم للـنـوم وكـلمـا كـان يـهـم الأتـصـال بـصـديـقـه يـلـقى السـمـاعـة جـانـبـا لأنـه لا يـعــرف مـن أيـن يــبـدأ ومــاذا سيـقـول.
سـاعـات طـويـلـه مـرت وكـأنـهـا دهـرا, يـشـعـل الـسيـجـارة تـلـو الآخـرى يــريـد التـهـامـهـا وكـلمـا فــرغ مـن كــوب الـشـاي طــلـب أخـر وهــو يـنـظـر الى السـاعـة ويـعـد دقـاتـهـا فـي أنـتـظـار أنـفـراج الـلـيـل وبــزوغ الشـمـس.
الى اللـقـاء في الـحـلقـة القـادمـه

يعطيك الف عافيه